أول حالة وفاة لفنان سوري تتحوّل إلى قذائف متبادلة بين جمهوري الموالاة والمعارضة في سورية، وبخاصة إذا عرفنا أنّ الفنان المتوفى معارض حتى النخاع، لكنه في الوقت نفسه ابن عملاق في الفن وموالٍ في الوقت نفسه حتى النخاع.
عامر سبيعي الذي عُرف بمعارضته منذ بداية الأحداث في سورية وانطلق إلى صفوف المعارضة وتحوّل إلى فنان ثوري يغني ما يؤنس جمهور المعارضة، والذي فارق الحياة قبل أيام بنوبة قلبية في مصر، أبكى والده المؤيد بشدة، الفنان رفيق سبيعي، الذي أكّد موقفه المنحاز للدولة السورية منذ اندلاع الأحداث التي تحولت إلى حرب.
في تداعيات الوفاة سجّلت مواقف جماهيرية تستحق التدوين والأرشيف، إذ طغى البعد السياسي على أي بعد إنساني، بدليل استحالة العثور على تغريدة موالية تترحم على الراحل، وفي الوقت نفسه استحالة أن نجد تغريدة معارضة تعزّي الأب برحيل الابن.
صبّ كل شيء في خانة التجاذب السياسي، فالموالون اكتفوا بتعزية الفنان رفيق سبيعي الحاصل على لقب "فنان الشعب" من الدولة السورية منذ عقود، لكنهم في تعليقاتهم نفسها أشبعوا المتوفى شتائم وشماتة، دون المرور على مفهوم إنساني عاطفي يسمى "رهبة الموت".
وفي الأثناء اكتفى الطرف الآخر بالدعاء للميت بالرحمة وأن يحظى بالجنة، دون أن توجيه كلمات لوالده يؤنس منها الشماتة أيضاً.
كل شيء انكشف على حقيقته في وفاة عامر سبيعي، ليس على مستوى الجمهور وحسب، بل على مستوى النخب، إذ استعصى على الفنان دريد لحام أن يقدّم العزاء لرفيق سبيعي وينهي خلافاً شخصياً معه مرّ عليه 30 عاماً، فلم يحضر لمجلس العزاء الذي أقامه سبيعي في دار السعادة بدمشق، كما لم يجرِ اتصالاً هاتفياً به، علماً أن وفاة كهذه كانت كفيلة بفتح باب التلاقي بين الأسطورتين في الحركة الفنية والفكرية السورية بعد عقود من الجفاء، لكن شيئاً من هذا لم يحصل.
أضف إلى أن نجوم الدراما السورية لم يشطحوا عن موقف العامة من الجماهير، فكانت تغريداتهم منسجمة مع الموقف السياسي لهذا أو ذاك، حتى أنّ وزير الثقافة السوري الأسبق رياض نعسان آغا الذي اشتهر بكتابة السيناريو الدرامي، والذي توجّه للمعارضة منذ بدء الأحداث، كتب في حسابه عن الوفاة كلمات منتقاة تجنّب فيها تعزية صديقه التاريخي رفيق سبيعي بشكل مباشر، واكتفى بتوجيه التعزية للعائلة بالمجمل.
0 التعليقات :
إرسال تعليق